الحكومة الجديدة

كتبت مقالاً قبل ثلاثة أسابيع تحت عنوان (قراءات في دفتر التشكيل الوزراي القادم)، أشرت فيه إلى أن تغييراً جذرياً سيطرأ على التشكيل الوزاري، وختمت المقال بأن عسكر وتكنوقراط وكوادر الصف الثاني من الإسلاميين ستتسيد مشهد التشكيل الوزاري القادم.
جاء التشكيل الوزاري الأخير منعشاً لآمال البعض ومخيباً لآمال الكثيرين، وكل ينظر إليه من زاويته.
أهم مافي مشاهد التشكيل الوزاري، التعثر الذي صاحب ولادته، فلأول مرة ينفض سامر إجتماعات المكتب القيادي للمؤتمر الوطني اربع مرات ، ليعلن في رابعها التشكيل الوزاري.
التوجه العام للدولة وحزم الإجراءات التي قادها البشير بعد المؤتمر الرابع للمؤتمر الوطني اكتوبر الماضي، القت بظلالها وبكثافة علي مشهد التشكيل الوزاري الأخير، فالمفاصلة الناعمة بين البشير والمكتب القيادي والتي توجت بتعديلات بدرية سليمان رجحت كفة البشير بوضوح فالتعديلات التي منحت الرئيس الحق في تعيين الولاة وشاغلي المناصب الدستورية كانت بمثابة تحجيم لدور المكتب القيادي للمؤتمر الوطني وإن ظهرت أصوات نفي هنا وهناك، الا أن واقع الخطاب الإعلامي الذي ظهر إبان المشاورات أثناء التشكيل، أكد الفرضية وبنسب كبيرة.
فمثلاً خروج غندور عشية الإجتماع الثاني للصحافيين ليقول (الرئيس دفع بأسماء مرشحين والمكتب القيادي أبدى ملاحظات حولها، وسنعقد جلسة غداً لمزيد من المشاورات)، هذا لتصريح يوضح بجلاء إنتقال عصا الترشيح من المكتب القيادي إلى البشير، حيث كان المكتب القيادي في السابق يرشح ثلاثة أسماء ليختار الرئيس واحد منها، وفي جلسة واحدة لا تتعدى الساعتين.
أيضاً التصريحات الرسمية للوطني أكدت أن البشير دفع باسم ابراهيم احمد عمر كمرشح لرئاسة المجلس الوطني والدكنور عمر سليمان كمرشح لمجلس الولايات، وأن المكتب القيادي وافق بالأجماع. وهذا يشير ايضاً الي تغيير في اليات الترشيح في مطبخ قرار الوطني.
والمشهد الثالث إجابة الباشمهندس ابراهيم محمود حامد للصحافيين، بأن الرئيس من حقه تشكيل الحكومة بنص الدستور، الا أنه رأى أن يجلس مع المكتب القيادي لمزيد من الشورى. وهذا الحديث صحيح بعد تعديلات بدرية سليمان لكن لوائح المؤتمر الوطني الداخلية لا علاقة لها بالتعديلات الدستورية وذكرت في مقالي السابق ان بوادر صدام قد تلوح القيادي والبشير بسبب الترشيحات الا ان قيادي الوطني انثني امام العاصفة ومرر الامر برمته علي مضض.
هذه المشاهد الثلاثة تشير إلى تحول في منهج التعاطي مع قضايا التشكيل والتعيين من جهة الرئيس والمكتب القيادي.
ويرى مراقبون أن أهم مافي التشكيل الوزاري الخير، أنه فصل بين الحاءات الثلاثة (الحركة الإسلامية، الحكومة السودانية، حزب المؤتمر الوطني)،وبدأ مرحلة فض التشابك والهيمنة التي ظلت تمارسها الحركة الإسلامية، وتلقي بظلالها على الحكومة السودانية سلباً أو إيجاباً.
فتصريح الرئيس في المؤتمر الرابع للمؤتمر الوطني "لن نسمح بوجود مراكز قوى داخل الوطني" يبدو أنه بدأ يأخذ موقعه على الأرض، فبعد إقالة علي عثمان ونافع و(76) وزيراً، ومن ثم ترجل الحرس القديم كرتي ومصطفى عثمان وكبر، ومن ثم تعيين المهندس ابراهيم محود حامد نائباً لرئيس الحزب (الرجل الثاني في الحزب بعد الرئيس) كلها إشارات إلى مآلات الحزب في المرحلة القادمة (الوسطية – البعد عن الجهاز التنفيذي).
فابراهيم محمود حامد المهندس الزراعي يعتبر وسطي وفاقي مهادن يتفق في الرؤى مع الرئيس، ويعمل على إنفاذ توجيهات الرئيس مباشرة، لا يؤمن بالكتل ومواقع النفوذ، وسيعمل على تفريق من بقي منها داخل الحزب، ليسير الحزب وفق توجيهات الرئيس، وليس وفق كتل تتكتل لتمرر قرارات تفرض على الرئيس، على إعتبارأنها قرارات مكتب قيادي.
أذن الوضع اختلف فهيمنة أجنحة بعينها على مطبخ قرار الوطني (المكتب القيادي) تم قصقصتها على مدار الست سنوات الماضية، وإن (تلكأ) أو (تجرجر) أو (تحجج) المكتب القيادي، فإن الرئيس سيعمل بصلاحياته التي منحها له الدستور بعد تعديلات بدرية سليمان اكتوبر الماضي.
التشكيل الاخير حمل دلالات فصل الحاءات الثلاثة وهو مكسب كبير بحسب مراقبين بل يعتبره البعض من أهم مسارات التصحيح والتقويم، وهو ما يجب يان حتفى به من قبل كثير من الإسلامين الغاضبين الصامتين.
نواصل الحديث عن الوزراء و الولاة و المساعدين..
شاركه على جوجل بلس

عن حمدى صلاح الدين

    تعليقات بلوجر
    تعليقات فيسبوك

0 التعليقات:

إرسال تعليق