اختيار التخصص الجامعي

عملت في حقل التعليم بكل مستوياته لاكثر من خمسة عشر عاماً واعرف كل خباياه واسراره تقريباً.
يستعد الطلاب الذين اجتازوا امتحان الشهادة الثانوية للتقديم للجامعات في فعل يعتبر مفترق طرق حقيقي لمالات المستقبل.
للاسف الشديد التعامل مع هذه الفترة الزمنية المسماة ب(التقديم) في غالبيته يكون بلا ضوابط ولا وعي ولا اهداف وهو ما يأتي بنهايات غير سعيدة للبعض. اضف الي ذلك بعض السياسات الخاطئة التي انتهجتها وزارة التعليم العام منذ العام 1990م وحتي الان افرزت عدة اشكالات ظلت تلقي بظلال سالبة علي مردود ومنتوج الطالب في الجامعة و مابعد الجامعة. لنأخذ بعض الامثلة:
1- التعليم العام في السودان 11 عام فقط علي عكس غالبية دول العالم التي اتخذت عرفاً يقضي بقضاء الطالب 12 عاماً في التعليم العام – اياً كان السلم التعليمي – ثم ينتقل بعدها للتعليم العالي.
2- في السابق كان التلميذ يدخل المدرسة في السادسة تقريباً وهذا بناء علي توصية الانجليز والتوصية بنيت علي اعتبارات جغرافية وبيئية وبدنية من حيث مقدرة عضلات اليد والاصابع. اما الان نجد الطالب يدخل الي الاساس في الخامسة او اقل من ذلك.
3- باجراء عمليات طرح بسيطة تجد ان طالب اليوم يدخل الجامعة وهو اقل باربع سنوات عن طالب ما قبل الانقاذ. هذه السنوات الاربع تجعل تلميذ اليوم يجلس ليملأ (دليل القبول) وهو في طور المراهقة الاول الذي يتسم ب(عدم الاستقرار النفسي و عدم المقدرة علي اتخاذ القرارات السليمة) بحسب علماء النفس. لهذا تجد ان بعض الطلاب يبدأ في استكشاف ميوله ورغباته وتوافقه مع الكلية التي يدرس بعد مرور عامين او ثلاثة علي دراسته والحالات في ذلك كثيرة لا يمكن حصرها فعدد كبير من الطلاب اعاد دراسته الجامعية بسبب اكتشافه المتاخر ان المجال الذي درسه لا يتناسب معه.
4- امام هذه السن الصغيرة يقف اولياء الامور علي اجراءات ملء الدليل وكل من الاب والام والاخ الاكبر يرشح الكليات للتلميذ الجالس وسطهم. كل يرشح حسب خلفياته ومرجعياته وتهمل (مقدرات ورغبات التلميذ) وهي اهم عوامل اختيار التخصص.
مرجعيات وخلفيات الاب والام والاخ الاكبر قد تكون في الغالب مادية (الكلية دي بتجيب قروش اول ما تتخرج يخطفوك خطف قدم ليها اول رغبة) وقد تكون الخلفيات وراثية (لازم تطلع مهندس زي ابوك انت ما سمعت المثل ابن الوز عوام؟ لازم تتعلم العوم قدم للهندسة دي اول رغبة ان شاء الله في الولايات نسبتك بتدخلك ياخ) وقد تكون خلفيات بيئية وراثية (الكم فدان بتاعات ابوك ديل البيعمرهم منو . قدم زراعة ياخ. ياهي دي تكلة في شمبات والبحر قريب واولاد الحلة كلهم بيقروا هناك).
5- ويسبق كل هذه الضجة اختيار المساق من اساسه فالتوهان بين (علمي وادبي) والمقدرات التي تصطدم بالرغبات تشكل حجر الزاوية في انتاج تجربة فاشلة.
ادراك اولياء الامور والطلاب لكل هذه النقاط يسهل كثيراً من العبور الي الجانب الاخر بامان. رغبة التلميذ في دراسة الهندسة او الطب في ظل احرازه علامات ضعيفة في المواد العلمية تعني الدفع به وبقوة للسقوط في مستنقع الفشل.
ختاماً نتفق ان اهم عوامل (اختيار التخصص الجامعي) هو الالمام التام ب(مقدرات التلميذ الاكاديمية) و ربطها مع (رغباته) و هذا الامر يحتاج الي درجات من (سعة الادراك)،(القناعة) و (التصالح مع النفس). اما (تعلية سقف الطموحات) الذي يصطدم ب(مقدرات اكاديمية ضعيفة) سينتج وبلا شك (تجربة فاشلة) قد تغير حياة ابننا وابنتنا الي مهاوي الاحباط والاحساس الدائم بالفشل.
اسال الله لكم التوفيق جميعا
شاركه على جوجل بلس

عن حمدى صلاح الدين

    تعليقات بلوجر
    تعليقات فيسبوك

0 التعليقات:

إرسال تعليق