(زين)، ذكاء اعلاني

من اهم عوامل نجاح اي اعلان ارتباط الاعلان ارتباطاً وثيقاً بالفئة المستهدفة. ارتباط يمثل الواقع الحياتي اليومي المعاش بلا رتوش ولا الوان. وفي اعتقادي هذا ما حدث في اعلان (زين شباب – نحن كده).
شخصياً اعجبت بهذا الاعلان من حيث الفكرة و المضمون و تحفظت علي اقحام مقطع من (الراب) داخل الاعلان مع كامل احترامي و تقديري لزين ولمحبي الراب طبعاً.
علي الرغم من تحفظي علي اقحام مقطع (الراب) ذاك في اعلان بهذا الحجم وهذه الروعة و هذا النضج الفكري الفني الا ان (الفكرة الرائعة) و (الكلمات المعبرة) المكتوبة بعناية وحرفية و ابهار اضافة الي الاداء و طريقة التعبيرعن معاني و مضامين النص كلها عوامل جعلتني اتجاوز مطب (الراب) الي ما بعده من جماليات في هذا الاعلان.
فمن ناحية (الفكرة) اجد ان (زين) لم تتبع الطريقة التقليدية في (حشر) تفاصيل الخدمة الجديدة داخل النص الغنائي بل عمدت الي تقديم مرافعة ناعمة رقيقة هادئة عن الفئة المستهدفة من الاعلان وذلك عبر عرض الجانب المشرق من ثقافة هذه الفئة و اسلوبها و طريقتها في الحياة في محاولة لدحض الاتهام الذي يروج له البعض عن ان هذه الفئة قامت بطمس الهوية السودانية عبر استايل غربي متنامي و متزايد. و لم تكن المرافعة (هجومية) بقدر ما كانت (دفاعية صرفة) بنيت علي ابراز الجوانب المشرقة من الفئة المستهدفة. ومن ثم قامت (زين) بعرض تفاصيل خدمتها الجديدة وسط الاعلان بريزم اذاعي صرف .
ابرز مقاطع الاعلان كان بريزم احتجاجي ناعم دونما مخاشنة وكأن الشباب يضرب علي الارض بالاقدام مردداً ان (نحن كده) والصوت الاحتجاجي كان واضحاً في المقطع (نحن كده ودي ذاته هوية مختلفين كده). وكأنما المقطع اجابة عن اتهام الشباب – من قبل البعض - بطمس الهوية السودانية بعد ارتماء بعضهم في احضان التقاليد و العادات و التقليعات الغربية.
(نحن كده) هو العنوان الاساس للاعلان. وكأن الشباب بعبارة (نحن كده) يقول هذه ثقافتنا واسلوبنا وطريقتنا في الحياة فانظروا الي الجانب المشرق واقبلونا بها.
استخدم الاعلان بعض المفردات الشبابية. وبعض المفردات الشبابية المتداولة –غير التي في الاعلان – تم استلافها مما يسمي اصطلاحاً ب(الراندوق). و (الاستلاف) بين اللغات موجود واكثر من يلم بهذا الجانب المتخصصون في اللعات فالاستلاف موجود بين الانجليزية والفرنسية واللاتينية بصورة كبيرة جداً. ويقول العلمي ان ابرز مظاهر الاستلاف اللغوي هو (استلاف مسلح بالقوة) حيث سطا الانجليز علي كلمة love الفرنسية والتي كانت تعني (بيض) من الفرنسيين وحولوا معناها الي (حب) لتعيش حباً الي يومنا هذا.
والاستلاف اعلي درجة من (اللت والعجن) الذي يسمي استلافاً محلياً مثل (مدبرس ومركلس ومترمتل) وكلها مشتقة من كلمات انجليزية تم تعريبها والدفع بها الي شوارع الراندوق.
المهم ان استخدام هذه المفردات الشبابية كان الغرض منه (خدمة السياق العام للاعلان). الاستخدام نفسه لم يكن مخلاُ و لا خادشاً بل كان موظفاً توظيفاً رائعاً وجميلاً اسهم في الدفع بفكرة الاعلان خطوات الي الامام. ولو استبدلت هذه المفردات لخرج الاعلان فطيراً ولكن قوة الاعلان جاءت من استخدام ذات مفردات غالبية الفئة المستهدفة. فجاءت مفردات مثل (بنتكل – الرصة- اصلي – الاصليين – يا حبه – الزيت) جاءت لتخدم و تعزز السياق العام للاعلان واراها قد نجحت في ذلك لما احدثته من حراك ونقاش حول الاعلان.
الجميل في الاعلان انه جاء في شكل مرافعة رقيقة وناعمة وهادئة عن ثقافة الفئة المستهدفة عرض من خلالها الاعلان الكثير من قيم التعاون والخير في اعتزاز جميل مبني بمفردة حلوة.
لكني اجد ان الاعلان افترض ان كل الشباب يستخدم هذه المفردات ويمارس نفس الاستايلات و التقليعات التي اظهرها الاعلان واللوحات الاعلانية المصاحبة له و الممتدة علي طول شوارع الخرطوم. ولا اعتقد ان هذا صحيحاً فكل الشباب تقريبا يعرف هذه المفردات والتقليعات والاستايلات ولكن هناك جزء كبير لا يستخدم هذه المفردات ولا يمارس تلكم الاستايلات و التقليعات بالتالي يمكن القول ان الاعلان يمثل (عدد مقدر) من (مجتمع الشباب الكبير).
الاعلان احدث حراكاً شبابياً كثيفاً عبر التناول والتداول الذي اكتنف ارجاء المدينة فالبعض (مؤيد له) علي اعتبار انه يمثلهم والبعض الاخر (متحفظ عليه) علي اعتبار ان المفردات المستخدمة لا ترقي الي البث في قنوات رسمية اضافة الي وجود مقطع من (الراب) داخل الاعلان.
اعتقد ان المفردات لا غبار عليها فهي لا تطعن في ذوق ولا تخدش حياء ولم تأت في (سياق حواري) وانما جاءت في (سياق اعلاني) لخدمة فكرة الاعلان ولا اعتقد ان بثها في جهاز رسمي او غير رسمي سيعزز من حيثيات ثبوتها امام المجتمع فالبث ليس هو الفيصل في ذلك.
شخصياً ضد سياسات الاقصاء والابعاد التي تجعل الافكار بعيدة عن مسارات التقويم و التصحيح والمراقبة واقف مع استصحاب كل الافكار والتجارب واحتوائها ومن ثم العمل علي تصحيحها بالحجة و المنطق وليس بالاقصاء و الابعاد.
واذا اخذنا في الاعتبار ان 56% من سكان الخرطوم من الشباب وحوالي 60% من سكان السودان من الشباب نجد ان زين نجحت في احداث حراك وسط هذه الشريحة المهمة و الكبيرة من المجتمع السوداني. حراكاً اتمني ان يستفيد منه المختصون في بلورة وانتاج بعض الورش والسمنارات بمشاركة الشباب انفسهم والافضل ان تكون بمبادرة منهم لمعرفة رؤيتهم عن الهوية و لمس قضاياهم الحقيقية والوقوف عندها.
ختاماً اعتقد ان الكفة ترجح لصالح (زين) في هذا العمل فالاعلان جاذب وفكرته اكثر من رائعة وتنفيذه بديع واراه قد احدث حراكاً يبدأ من (الراب) ويينتهي ب(الهوية). ورغم انقسامات المع و الضد بالنسبة للاعلان الا ان هذا في حد ذاته تسويق للخدمة نفسها. ذكاء اعلان زين تفوق ب(الفكرة) و (المضمون) و تطرق لقضايا شريحة مهمة عبر بوابات (المرافعة) التي قد تفتح الباب امام (استئنافات) كثيرة.
شكراً للشاب الذي طالب بالكتابة عن الموضوع
شكراً للشباب الذين اسهموا في شرح كثير من المفردات والمعاني
شاركه على جوجل بلس

عن حمدى صلاح الدين

    تعليقات بلوجر
    تعليقات فيسبوك

0 التعليقات:

إرسال تعليق