السودان (يستقل) و يرفض ان (ينتفض)



 
السودان (يستقل) و يرفض ان (ينتفض)

تستعد البلاد هذه الايام لاستقبال الذكري 59 لاستقلال السودان ولا (الحكومة) تريد ان تعترف و تقر بفشل متلازم ادخل السودان في نفق ثم ازمة ثم نفق. ولا (المعارضة) تريد ان تؤدي دوراً وطنياً خالصاً من قلبها لقلب الشعب بعيداً عن مزايدات المع و الضد. ولا (الشعب) يريد ان ينتفض ضد الحكومة و المعارضة و يضعهما معاً في (محكمة التاريخ) أن (ماذا قدمتم خلال عقود ستة).
والارقام – التي لا تكذب – تقول ان الانقاذ حكمت السودان 26 عاماً وسبع حكومات حكمت السودان 33 عاماً منذ الاستقلال وهذه الاحصائية تضع الانقاذ في خانة المحاسب الاكبر (بفتح السين).
 (نحتفل بالاستقلال) والارض قد ذهب نصفها الابنوسي عبر (زواج نيفاشا) لنصبح ذات صباح علي ارض شمالية تبكي نصفها الجنوبي بدموع روت 2200 كيلو متر سياجاً حرم (ملوال) من (محمد احمد).
نعم (نحتفل بالاستقلال) و البلد تفقد فلذات كبدها عبر بوابة الهجرة وحديث الامين العام لجهاز المغتربين يرن في الاذان ان (277 الف شاب غادروا البلاد في النصف الاول من عام 2014). غادروا البلاد لانهم لم يوالوا الانقاذ التي قدمت لمنسوبيها (الشقة والسيارة والراتب والعلاوة وارصدة البنوك) وحرمت ابناء الغبش من (ادني حقوق المواطنة). وازهري محمد علي يقول في رائعة رثائه لحميد:
في كل حتة حصار حصار 
في كل فجة لهب لهب 
شغلونا بالنبي و المسيح 
واتقاسموها رتب رتب
نعم ازهري (اتقاسموها رتب رتب) وتركوا بقية الشعب تتقاذفه الهموم ويرزح تحت وطأة الفقر والظلم والمرض.
 (نحتفل بالاستقلال) وجراحات البلد غطت سماواتنا و ضربت بكرابيج من لهب علي ظهورنا. هم الساسة وصنيعهم في شعب ظلت حناجره تهتف للبلد وتصفق له وتموت عشقاً وولهاً فيه. شعب لا حول له ولا قوة في تغيير واقعه فاصبح يعيش غلي ذكريات ماضيه يتعزي بها وبها يتقوي.
 (نحتفل بالاستقلال) وربع قرن كانت كافية للانقاذ لبناء بلد (ان صح منها عزم) ولكن الظلم والفساد والمحسوبية ابعدوا الانقاذ من مربع (التصالح مع النفس) ووضعوها في دائرة (التكبر والجبروت و التسلط).
 (الانقاذ) لم ولن تتصالح مع نفسها فتاريخها وحاضرها يؤكدان ذلك. اهل الانقاذ وضعوا انفسهم في خانة (اهل الجنة) ونظروا للشعب كانه (شرزمة من الكفرة اللئام). عاشت الانقاذ علي هذا (الوهم) وصدقته واوهمت منسوبيها به عبر كرامات اسحق احمد فضل الله التي كان يبثها في برنامج (في ساحات الفداء) والتي اعترف اسحق مؤخراً وعلي صفحة (سائحون) انها كرامات مفبركة كان يقوم بفبركتها بنفسه ليرفع الروح المعنوية للجنود في تخوم الجنوب.
 (اهل الانقاذ) وضعوا الجنة (في الجيوب) وتغنوا لها وبها و عليها وسيدنا عمر بن الخطاب – اعدل من مشي علي قدمين – يقول ( لو نادي مناد من السماء ايها الناس انكم داخلوا الجنة الا رجلاً واحداً لخفت ان اكون هو ولو نادي مناد ايها الناس انكم داخلوا النار الا رجلاً واحداً لرجوت ان اكون هو). نعم، هذا هو ابن الخطاب احد العشرة المبشرين بالجنة واهل الانقاذ صم بكم عمي عن تصالح الفاروق مع نفسه.
 (الانقاذ) فقدت سندها الاخلاقي وهي (تقصي) غير الموالين لها من الحقوق والوظائف والمنح و (تنعم) علي منسوبيها بما لا يستحقون في فهم خاطيء لفن (ادارة الدولة).
 (الانقاذ) فقدت سندها الاخلاقي وهي تقسم مسلمي السودان الي قسمين (مسلم موالي للانقاذ) وهو صاحب الحظوة والوظيفة والمنصب و الرصيد البنكي والتسهيلات و (مسلم غير موالي للانقاذ) وهو خريج درجة الامتياز الذي رفضته لجنة الاختيار للخدمة العامة لانه لم يصوت للشجرة فتقرير (اللجان الشعبية) الذي رفعته (للجنة الاختيار) اشار الي انه احمر . هذا مسلم ومسلم فماذا عن الاقليات. 
دعنا ندير كاميرا الذاكرة الي عهد الخلافة الراشدة سنتابع مشهد (قاضي) يحكم ل(يهودي) ب(درع) بعد ان تقدم اليهودي بشكوي للقاضي. ضد من ؟ ضد امير المؤمنين. الشاكي (يهودي) ضد (امير المؤمنين) وقاضي الاسلام يحكم ل(اليهودي) لعدم كفاية ادلة امير المؤمنين. هل (اليهودي) في عهد الخلافة الاسلامية الراشدة اكرم من (المسلم) في عهد الانقاذ كما يقول المشهد ام انها تداعيات كاميرا التاريخ.
 (الانقاذ) فقدت سندها الاخلاقي وهي تزرع الفتن بين قبائل غربنا الحبيب وهي تتاجر في انسان الشرق بعد ان باعت الجنوب وانسانه في (سوق نيفاشا).
((الانقاذ) فقدت سندها الاخلاقي وهي تفشل وطوال ربع قرن من الزمان في (ادارة الدولة السودانية) فافرغت المشهد السوداني من التكنوقراط من ذوي الخبرة والكفاءة ليقف من هم بلا رصيد معرفي ولا خبرة تراكمية علي منصات ادارة البلاد بدعوي (الولاء الحزبي الضيق).  
 (الانقاذ) فقدت سندها الاخلاقي للبقاء في سدة الحكم وهي تستغل سني حكمها لتكريس المال والسلطة للاخوان ومخططاتهم الارهابية في فهم قاصر لمعاني ومضامين الدين.
 (الانقاذ) عمدت الي الهاء الشباب عبر عدة بوابات انكاها كان ما اوردته بعض المواقع الالكترونية من ان الحكومة قامت بفتح (المواقع الاباحية) لتخفف حدة المظاهرات التي اجتاحت الخرطوم قبل عامين في فعل يعد شوكة في خاصرة (المشروع الحضاري الاسلامي الانقاذي) ان صحت الرواية وذلك علي الرغم من خروج مسؤل (تبرأ) من الواقعة ووصفها بالملفقة ولكن (من) يصدق (من) فالانقاذ (تبرأت) من قبل من مستشار وزير اعلامها – الدكتور ربيع عبدالعاطي- عندما هزمه الدكتور عمر القراي في برنامج (الاتجاه المعاكس) بقناة الجزيرة فارسلت الانقاذ رسالة اس ام اس عبر (سونا) تفيد بان (ربيع عبد العاطي شارك في برنامج الاتجاه المعاكس من تلقاء نفسه ولم يشارك باسم الحكومة). الرسالة التي حملت دلالات الانهزام الفكري وضحالة المنطق..
 (الانقاذ) فقدت سندها الاخلاقي وهي تمارس (الغلو في الدين) والذي ظل الشعب السوداني يدفع ثمنه ل25 عاماً حظراً اقتصادياً اقعد البلاد وتحول بفعله السودان الي (دولة مواجهة) مع اسرائيل فاستبيحت الاراضي السودانية عبر سلسلة غارات جوية اسرائيلية فاقت الست غارات والانقاذ تعجز ان تستصحب معها دلالات (صلح الحديبية) عندما عاد الرسول الكريم عليه افضل الصلوات واتم التسليم من ابواب مكة الي المدينة ليعود العام المقبل.
 (الانقاذ) نست او تناست (والله لو سرقت فاطمة بنت محمد لقطع محمد يدها) فكانت تكافيء من تعدوا علي (مال الشعب) و (قوت الشعب) و (شرف الشعب).
الشعب وما ادراك ما الشعب وما اعظمه من شعب. وما اكرمه من شعب. شعب صاحب اكبر انتفاضتين في تاريخ العروبة. وصاحب اول انتفاضة في تاريخ العروبة حديثه و قديمه.
 الشعب ينتظر) بعد ان افل نجمه وغربت شمسه ومل من طول انتظار)
 (الشعب ينتظر). نعم ينتظر ليقول كلمته ذات صباح شتوي او خريفي في بلاد النيل والحر والسكر الغالي.
 (الشعب ينتظر) و الغلب غطي قسمات الوجوه وصوت مصطفي سيد احمد يصدح من كافيه الاحلام السعيدة (من حجة صباح .. في حق الملاح .. في الغبن الجديد... في القسط القديم .. وبيناتن عشم .. في الفرج القرييييييييييييب). ومع نهاية الاغنية تجرع كوب المانجو دفعة واحدة عله يطفيء (حرقة الجوف).
 (الشعب ينتظر) ليكسر قيده ويقف امام جلاديه في محكمة التاريخ التي مهد هاشم صديق لجزء من حيثياتها :
وياالفى بلاط حاكم البلد
عايشين خدم وسط الحشم
وشايلين ختم وتصنفوا
اتغوا زيدوا وصنفوا
او زيفوا او الفوا
والحق بجى
قسما يمين والدنيا نار
ويوم الحساب غدر الخدم
زيف الحشم
ظلم الامير
نحنا النقيف ونصنفوا
او هكذا قال هاشم صديق في رائعته (جواب مسجل للبلد) الجواب الذي لم يصل الي الشعب بعد
 (الشعب ينتظر) وقاع المدينة يضج بحواديت كثيرة وكثيرة جداً. حواديت لا تحكي تحت تذييل (غير صالحة للنشر) ولكنها تبقي جمرة في الفؤاد تقض المضاجع صباح مساء. قاع المدينة حيث (يباع) كل شيء من اجل شراء (لقمة عيش).
 (الشعب ينتظر) و (حاجة العازة) تكالبت عليها محن الانقاذ فمات ابنها غريقاً في الدفاع الشعبي واحيل زوجها للصالح العام لانه (احمر) وشقيقها في السجن (يبقي لحين السداد) اما ابنتها –الاولي في دفعة طب الخرطوم- فلم توظف وطوال 9 سنوات لدواعي امنية.
 (الشعب ينتظر) و الطفل خالد ذو الاربع سنوات يموت كل يوم لعدم وجود (زجاجة دم) في (بنك الدم).
 (الشعب ينتظر) و (الاستقلال) بلغ عقوداً ستة ولحاف الصبر اهترأ من طول انتظار. هي الاقدار وازمنتها و امكنتها. علمها عند مليك مقتدر. لكن النصر ات ولو بعد حين. اذن نعود ل(نحتفل بالاستقلال) حتي يفيق الشعب من غفوته ويدرك ان خلاصه بين يديه وعليه الا ينتظر خلاصاً لا يشارك فيه .
نعود ل(نحتفل بالاستقلال) ومع الاحتفال تخف حدة العبارات ونعود الي مربعات البلد ورهاناتها. نعود للمراهنة علي (الشباب) في (احداث الفارق) كمراهنة طبيعية فالشباب هم الوقود المحرك لاي تغيير. نراهن عليهم لبناء دولة مؤسسات تسود فيها المساواة وتعزز فيها قيمة المواطنة. ولكن (شباب) بلا (نخب) المراهنة عليهم تعد (حرقاً للنجوم) فدور النخب (النظري و الفعلي) اقوي من دور الشباب (الفعلي ).
فرس رهاننا اليوم هو (الشباب) علي الرغم من معاول الهدم التي تناوبت علي ظهورهم من الانقاذ  فاستقلال السودان الحقيقي يبدأ عبر بوابة (النخب والشباب).
 (استقلال السودان الحقيقي) يبدأ من الفرد والاسرة والتعليم والانتاج والشباب و عندها فقط ستجد الانقاذ نفسها تؤدي الدور الذي يؤديه الشعب الان (تلقي السياط علي الظهور).
 (استقلال السودان الحقيقي) يبدأ عندما يعود للحي تماسكه وتعود للشارع هيبته وتعود للجار سلطته فيقوم (الجار) في اقصي ركن الشارع بصفع (ود الجيران) علي خده لانه غازل (بنت الثانوي) التي لا تنتمي للحي.
 (استقلال السودان الحقيقي) يبدأ عندما يسترد الولد لقبه القديم (المحرس علي بنوت فريقو) و تغني له الحسناوات في ليلة (رقيص العروس) ويشهدن له (لا بسف تمباك لا بسجر).
 (استقلال السودان الحقيقي) يبدأ عندما تتصالح حكوماتنا مع ذواتها فالتصالح مع النفس هو بوابة العدل والعدل اساس الحياة.
 (استقلال السودان الحقيقي) يبدأ ب(جسر الهوة) بين الاجيال لمواجهة خوارزميات الانقاذ متناهية التعقيد.
 (استقلال السودان الحقيقي) يبدأ عنما (يتقن كل من صنعته) فيخلص المدرس في تدريسه، ويتقن المقاول عمارته، ويحذق الكهربائي في مهنته ويتفنن الجنايني في تهذيب حديقته.
 (استقلال السوداني الحقيقي) يبدأ عندما ينتفض الفرد ضد نفسه وينتفض المجتمع ليسترد قيمه المفقودة وينتفض الشعب ضد المعوقات الفكرية والنفسية والسياسية التي حولت حياته الي جحيم. (النخب) علي عاتقها دور كبير بقيادة حملات لرفع الوعي. العالم ماعاد قري معزولة. العالم اصبح قرية صغيرة اذ يمكنك وفي ساعة واحدة ان تصلي وترسم وتلون وتغرد وتسهم في اسقاط نظام جثم علي صدرك 25 عاماً.


شاركه على جوجل بلس

عن حمدى صلاح الدين

    تعليقات بلوجر
    تعليقات فيسبوك

0 التعليقات:

إرسال تعليق