السودان، حسابات التغيير (الجزء الثاني)

 
السودان، حسابات التغيير (الجزء الثاني) 

تحدثت في الجزء الاول من هذا المقال عن خمسة سيناريوهات محتملة للتغيير في السودان و عددت ثلاثة محاور من ضمن خمسة محاور يحتاجها السودان للقفز فوق حاجز الوضع الراهن. في هذا الجزء سنكمل المحورين الاخيرين علي ان نعود في الجزء الثالث لجرد حسابات التغيير من واقع قراءات عدة. 


المالية: 

شهد السودان في الفترة من 2005الي 2010م استقراراً اقتصادياً نوعاً ما – بحسب تقارير البنك الدولي انذاك – حيث تم التوقيع علي اتفاقية نيفاشا وبدأ التصدير الفعلي للنفط بقوام حوالي 500 الف برميل في اليوم وتوقفت حرب الجنوب بعد خمس وخمسين عاماً من الاقتتال. الحرب التي كانت تمثل العامل الاول في اهدار موارد البلد.
بعد الانفصال عاد الوضع الاقتصادي للتردي وبصورة سريعة و مريعة حيث وصل سعر الدولار مقابل الجنيه الي 9700 جنيه في سابقة هي الاولي من نوعها. والسبب يرجع الي عدم (تحوط) الحكومة لاختيار اخوتنا الجنوبيين لخيار الانفصال.
السودان فقد 500 الف برميل كان يقوم بتصديرها يومياً و طوال خمس سنوات فتحولت خانة الصادرات في ميزان جمهورية السودان الي (صفر). وبالطبع الزراعة والصناعة خارج حسابات الصادر لما لحقهما من خراب ودمار تحدثنا عنه تفصيلاً في الجزء الاول من هذا المقال. 


امام هذه المعضلة الاقتصادية (انعدام الموارد بسبب توقف الصادر) لم يكن امام الحكومة الا خيارين اثنين لا ثالث لهما: 


الاول: الاستدانة من البنك المركزي (طباعة عملة بدون رصيد) وهو ما يعني انهيار اقتصادي كامل في فترة وجيزة.
الثاني: اتخاذ حزمة اجراءات (رفع الدعم، زيادة الضرائب والجمارك والجبايات والاتاوات والرسوم وخفض الانفاق الحكومي) . 


وقد اختارت الحكومة (الخيار الثاني) وهو خيار (يحفظ) عضم الدولة و (يهلك) المواطن المسكين ليتحول المواطن بقدرة قادر الى (مصدر ايرادات للخزينة العامة). وقد ساعد الانقاذ في انفاذ الخيار الثاني سياسة (تحرير السوق) التي انتهجتها منذ تسعينيات القرن الماضي وقد اجرت صحيفة (الصحافة) تحقيقاً مثيراً في ميناء سواكن اكدت عبره ان السلعة الواحدة الواردة من الخارج يدفع المستورد مقابلها ثمانية انواع من انواع الضرائب غير الجمارك والرسوم الاخري.
يمكن لاي دولة - امام المطب الاقتصادي الذي واجهته الانقاذ - ان تختار الخيار الثاني وتشد بطون شعبها ولكن وفق رؤية معينة بان يكون هناك سقف زمني لشد البطون هذا . سقف زمني تعمل الحكومة خلاله علي ترميم سياستها الخارجية وحزم اجراءات لرفع الحظر الاقتصادي الذي اقعد البلاد لتفعل الشقين الصناعي والزراعي لتزيد قيمة الوارد في محاولة لتغطية عجز موازنتها جراء فقدها لعائدات النفط التي ذهبت حقاً اصيلاً لدولة الجنوب وبذلك ترفع الدولة كل هذه الاتاوات عن ظهر المواطن بعد ان تظبط صادرها امام واردها وتشكر الشعب الكريم علي فترة شد البطون هذه وما حاق به من ضرر. لكن ان تتخذ الدولة حزمة الاجراءات هذه وتفشل في قلب موازنة الصادر او بالاحري ترفض ترميم سياساتها الخارجية لتوفيق وضعها الاقتصادي وتظل تعتمد علي المواطن في ايراداتها لاربع او خمس سنين فهو الامر المستغرب و غير المقبول والذي يفقد الدولة اهليتها في ادارة البلاد.
حملت صحيفة السوداني في عددها الصادر في اغسطس 2014م تصريحاً للدكتور حسن احمد طه – رئيس القطاع الاقتصادي بالمؤتمر الوطني – جاء فيه ان الدولة ماضية في سياسة رفع الدعم تجنباً للاستدانة من البنك المركزي وان (كيس العيش ابو 2 جنيه سيصبح ب6 جنيهات). هذا تصريح رئيس القطاع الاقتصادي للوطني الموثق في صحيفة السوداني والذي يؤكد ان الانقاذ (نضب معين افكارها الاقتصادية) واستمرأت (شد السرج) علي ظهر المواطن.
نعود الي ادارة الشأن المالي بالسودان فمن اكبر مساويء ادارة المال العام في السودان منح المجالس التشريعية المحلية الحق في فرض وجباية الرسوم دون الرجوع للمركز. هذا الوضع جعل (الاعتداء علي المال العام) في متناول اليد. ففي عهد الانقاذ يمكن لاي مجلس تشريعي محلي او ولائي او أي مؤسسة مدنية كانت او عسكرية ان تسن وتفرض رسوم وتجمعها بطريقتها الخاصة. هذا الوضع ابتدعته المالية للتملص من التزاماتها فقامت المالية بتحديد (ربط معين) للمحليات والولايات والمؤسسات مثل الضرائب والزكاة والجمارك ورفعت المالية يدها عن (آلية جمع الربط) ونظراً لعدم وجود موارد لا في المحليات ولا في الولايات بنسبة تفوق ال80% اصبحت المحليات والولايات والمؤسسات تعتمد علي المواطن في (توفير ربط المالية). وبغياب رقابة المالية اصبحت المحليات والولايات والمؤسسات تطبع ايصالاتها الخاصة بنفسها والتي تجمع عبرها المال وما بين (المواطن) و (المؤسسة) و (المالية) مساحات كبيرة للاعتداء علي المال العام لان كل هذه المؤسسات تجمع المال بدون (اورنيك 15) الاورنيك الذي يضبط حركة الوارد لوزارة المالية. غالبية المحليات والولايات والمؤسسات تجمع ربطها المحدد بايصالاتها الخاصة ولا المالية ولا وزيرها الهمام يعرف كم جمعت كل فئة من هذه الفئات. المهم انها تورد ربطها المحدد للمالية والباقي (حلال عليهم) في اكبر عملية نصب مرت علي تاريخ السودان قديمه وحديثه. الاحري بوزارة المالية تصحيح وضعها بالزام كل المحليات والولايات والمؤسسات بتحصيل الرسوم عبر (اورنيك 15) وان تقوم بحملات توعية للمواطن بعدم دفع أي رسوم خارج (اورنيك 15). 


اللجان الشعبية: 

فلنأخذ محلية بحري كمثال. اعتقد ان محلية بحري تتكون من ثلاث وحدات ادارية هي:
بحري: وتمتد من حلة حمد حتي السوق المركزي.
الدروشاب و الكدرو: وتمتد من الحلفايا وحتي ام القري.
الريف الشمالي: وتمتد من شمال ام القري وحتي حدود نهر النيل.
لنأخذ مثالاً وحدة الدروشاب والكدرو والتي تتكون من 25 لجنة شعبية هي قوام ال25 حي حسب التكوين الجغرافي للمنطقة. واذا افترضنا ان بكل حي لجنة شعبية مكونة من 20 عضواً ومجلس تشريعي او هيئة شوري مكونة من 500 شخص يصبح المجموع 520 شخصاً. واذا قمنا بعملية ضرب 520 في الحي الواحد في 25 حي نجد الناتج 13000. اذن هناك 13الف شخص في وحدة الدروشاب والكدرو شاركوا في (ادارة الدولة الانقاذية). واذا عممنا الرقم علي وحدات ولاية الخرطوم الادارية البالغ عددها 105 نجد ان الرقم يصل الي1265000 شخص.
واذا افترضنا ان عدد سكان ولاية الخرطوم هو 10 مليون شخص نجد ان 10% منهم يشاركوا بصورة يومية في ادارة الدولة الانقاذية. واذا امتلكنا احصائية لمن هم دون ال18 وللعجزة والمسنين واستبعدناهم من التعداد الكلي لسكان ولاية الخرطوم نجد ان الرقم قد يرتفع الي اكثر من 20% من سكان ولاية الخرطوم ومن ثم نقوم بتعميم الحسبة علي ولايات السودان الثماني عشرة.
بهذه الحسبة البسيطة نجد ان الوطني قد يكون صادق في زعمه بانه يمتلك قواعد داخل كل حي عبر هذا التغلغل الذي احدثه عبر اللجان الشعبية ومجالس شوري الاحياء. ولكن الحقيقة التي يرفض الوطني سماعها دائماً ان 80% من هذه القواعد هي من ذوي المصلحة والتكسب وان 20% فقط او اقل هم من ينتمون للحركة الاسلامية قولاً وفعلاً. اذن هناك قطاعات من المجتمع تشارك في عملية ادارة الدولة الانقاذية بمقتضي المصلحة وهذه الفئة يهمها بقاء الانقاذ لتظل قابضة علي (ضرع البقرة) وهي الشريحة التي تهتف في احتفالات الوطني وتحشد الحشود للقاءات قيادات الوطني وتكتب التقارير السرية في ابناء العشيرة وابناء الحي وهي فئة اكثر فساداً من المؤتمر الوطني لاننا يمكن ان نحترم (صاحب معتقد) وان ظلم وجار ولكن لا يمكن ان نحترم (صاحب مصلحة) باع نفسه واهله وشعبه من اجل التكسب.
نواصل في الجزء الثالث باذن الله وفضله وتوفيقه

شاركه على جوجل بلس

عن حمدى صلاح الدين

    تعليقات بلوجر
    تعليقات فيسبوك

0 التعليقات:

إرسال تعليق