قراءات في دفتر التشكيل الوزاري الجديد 3-3

قراءات في دفتر التشكيل الوزاري الجديد 3-3 (الجزء الاخير) 


خلال احدى الندوات – قبل عدة اعوام – كاد احدهم ان يقذفني بكرسي لولا تدخل العقلاء قائلاً (انت مدرس واعلامي بتدخل قدومك في السياسة مالك) وبعد ان هدأت النفوس قلت له (يا اخي السياسة هي طقس يومي بالنسبة للسوداني ثم ثانياً انتم من دعيتموني لابداء رأيي ولم احضر من تلقاء نفسي) ومن يومها ظللت ارفض المشاركة في هكذا ندوات ليس (خوفاً من الكراسي) وانما (خوفاً من ضيق افق البعض). وتسربل الخلاف بعد ان ذكرت بالحرف (ان الديموقراطية لا تصلح في دول العالم الثالث وغالبيتها تجارب فاشلة فالديموقراطية تحتاج مقومات اهمها اقتصاد معافى ومتطور ونسبة تعليم عالية ونسبة وعي اعلى حتى يمارس الفرد الديموقراطية الحقة التي تعود بالنفع على المجتمع قاطبة وهو ما لايتوفر في غالبية دول العالم الثالث ان لم يكن جلها) ثم اضفت (في السودان يتم شراء الصوت الانتخابي ب5جنيهات تمثل ثمن لبن الرضع ليتم التصويت لشخص غير مناسب يوضع في مكان غير مناسب بناء على حق اللبن وهو ما نتسامى في تسميته بتزوير الانتخابات الذي يتحمل الفرد القدح المعلى فيه دعك من الحزب اياً كان) ثم ختمت حديثي بقولي (في اعتقادي ان بعض دول العالم الثالث يجب ان تحكم بالعسكر للحفاظ على وحدتها وامنها) الشيء الذي جلب الكرسي للمنصة الرئيسية. 

السؤال الذي يحيرني ويقف ك(الغصة في حلقي) هو كيف استطاع (البشير) اقناع (المكتب القيادي للمؤتمر الوطني) بإقالة الطاقم الرئاسي كاملاً واكثر من ثلاثين وزيرا يمثلون عضم الحركة الاسلامية (دفعة واحدة). وهذه الاقالة الجماعية  ظل يرفضها المكتب القيادي لمرات عديدات – بحسب صحافة الخرطوم الصادرة قبل خمس سنوات- وفي اعتقادي ان هذه (مفاصلة) اخرى بين البشير والمكتب القيادي خرج فيها البشير منتصراً بكل ما تحمل الكلمة من معنى. 

والدكتور حامد الدود – الاستاذ المساعد بجامعة النيلين - كان يلقى علينا محاضرات Taking notes  في جامعة النيلين – كلية الآداب – قسم اللغة الانجليزية بكل حرفية وابهار  ليقدم لنا عصارة خبرته وتجربته. وهذا الفن الجميل الذي تألق فيه دكتور حامد ازدان بمحاضرات Right thinking  التي اعتقد ان البعض ممن توسد اوشحة الجهاز التنفيذي يحتاجها حتماً. 

مهما كان ما حدث (مفاصلة – مخاشنة – انقلاب ناعم) فان الفرصة الذهبية الان في ملعب البشير ومن معه في المشهد السياسي الآني لإحداث الفارق. فرصة تأريخية لتقويم الاوضاع في 60يوم لا اكثر. حساب جرد (للارباح والخسائر) ومن ثم (وضع استراتيجيات واجازتها وتقديمها للطاقم التنفيذي لتنفيذها) .
لنقوم بتمثيل لعبة الابتدائية (لو كنت مكاني). قد لا تصلح اللعبة مع تجهمات الساسة ولكني افضلها كأعلامي لان لا علاقة لي ب (ساس – يسوس) لا من بعيد ولا من قريب. 

اول ما يتوجب فعله هو الاتي (ترتيب جدول عام خماسي الابعاد كإطار عام ) يشمل :
1-  العمل على اعادة ترتيب الجهاز التنفيذي.
2-  بناء مؤسسات مستقلة للدولة.
3-  تكليف قطاعات جديدة  بوضع استرتيجيات جديدة للدولة لينفذها الجهاز التنفيذي الجديد.
4-  اولوية قصوى للسياسة الخارجية والوضع الاقتصادي.
5-  التأميم

1-العمل على اعادة ترتيب الجهاز التنفيذي:

لا اعتقد ان الدولة السودانية – في هذه المرحلة تحديداً – تحتاج الى ستين وزيراً فالولايات المتحدة الاميريكية بولاياتها ال51 وعدد سكانها الذي يفوق ال300مليون يديرها خمسة عشر وزيراً. لا نحتاج الى (الكم) بقدر حوجتنا الى (الكيف). نحتاج الى احد عشر وزيراً وخمس ولايات. و بنظرة سريعة يمكن القول ان الدولة تحتاج الى ستة عناصر اساسية ك(كي ميمبرز) على النحو التالي:
أ- وزير خارجية فعال ومبادر يجمع بين اللغات والقانون وله خبرات في علوم شتى بقامة منصور خالد.
ب- وزير ثقافة واعلام فعال ومبادر وله خبرات في علوم بعينها بقامة بروفيسور علي شمو.
ج- وزير دفاع بقامة بكري حسن صالح .
د- وزير لشئون الرئاسة  ملهم ومبتكر ومبدع.
ه- وزير للحكم المحلي لاعادة صياغة آليات ادارة الدولة.
و-اقتصادي بدرجة خبير.
فنحن نحتاج الى (حكومة ازمة) لا الى (حكومة عريضة).

2- بناء مؤسسات مستقلة للدولة:
أ‌-      برلمان منتخب.
ب‌-         سلطة قضائية مستقلة.
ت‌-         نظام خدمة مدنية منضبط.
ث‌-         نظام تعليمي متطور.

3-تكليف قطاعات جديدة بوضع سياسات جديدة لينفذها الجهاز التنفيذي الجديد:
        السبب الرئيسي في الفشل الذي لازم الانقاذ طوال سني عمرها هو (ان الذين يعملوا على حل الازمات) هم نفسهم (الذين انتجوا الازمات) فكانت الحصيلة دائماً (ازمة واعادة انتاج ازمة) اذن لابد من تبني خط فكري جديد بوجوه جديدة على ان تعمل على انجاز المحاور الآتية:
أ‌-  الانفتاح على الغرب وامريكا لايجاد سند في المحافل الدولية من دول الفيتو ومجموعة الثماني والدول الصناعية الكبرى ومنظومات المجتمع الدولي الاقليمية والدولية. ولصرف استحقاقات السودان المنصوص عليها في البنود المثبتة لدى الامم المتحدة وصناديقها واعلانات المباديء الصادرة عنها للسودان (كدولة من دول العالم الثالث) ومن ثم رفع الحظر الاقتصادي المفروض على السودان والذي اقعد السودان (اقتصادياً) كنتاج طبيعي ل(سياساة خارجية خاطئة). 

ب-ابداء حسن النية بقطع علاقة السودان مع ايران ودعم القضية الفلسطينية (ديبلوماسياً) بابداء الراي المساند في كل المحافل الدولية او كما فعلت السعودية عندما رفض سمو الامير سعود الفيصل – وزير الخارجية السعودي – رفض رئاسة مجلس الامن قبل شهرين من الان ورفض القاء خطاب السعودية في الامم المتحدة احتجاجا على ممارسات اليهود في فلسطين. 

ج- تفعيل الشقين الصناعي والزراعي يأتي كخطوة ثانية بعد (ترميم السياسة الخارجية) ليبدأ القطاعان الصناعي والزراعي في رفع اجمالي الصادر وتقليل حجم الوارد ليثبت الجنيه امام الدولار ويزداد الاحتياطي النقدي في البنك المركزي.

4-اولوية قصوى للسياسة الخارجية والوضع الاقتصادي:

فالوضع الاقتصادي مرتبط بالسياسة الخارجية واثر السياسة الخارجية ينعكس على الوضع الاقتصادي ايجاباً او سلباً والوضع الاقتصادي ينعكس اثراً ملموساً على الدولة بمكوناتها المحسوسة ايجاباً او سلباً. بمعادلة بسيطة نجد ان سياسة خارجية منضبطة مواكبة لتطورات العالم - الذي اصبح يسيره قطب واحد يتحكم في الاقتصاد والامن واللعبة السياسية - تخرج السودان من العزلة وتضعه في قائمة المستفيدين من التبادل التجاري والعسكري والعلمي والثقافي والاقتصادي وتفتح الابواب لتوفير معينات للمسرحين الزراعي والصناعي الذين نضب معينهما جراء الحظر الاقتصادي المفروض على السودان منذ تسعينيات القرن الماضي. السودان مليء بالخيرات فبالسودان اطول نهر في العالم (نهر النيل) وثالث اخصب ارض في العالم بعد كندا واستراليا لكن من يعي الدروس.

5-التأميم: يجب(تأميم) كل المؤسسات التي تمت (خصخصتها) في النظام الذي ابتدعته الانقاذ والذي سمي آنذاك ب(الخصخصة) والاستعانة بالتكنوقراط لادارة تلكم المؤسسات. 


عموماً استطيع القول ان مقبل الايام والشهور كفيلة بكشف حقيقة ما اذا كان ماحدث (انقلاباً ناعماً) ام (تغييراً مباركاً بالتراضي) والفيصل في ذلك شيء واحد (السياسات) فاذا تم تغيير السياسات الرئيسية فذلك يعني انه انقلاب بكل ما تحمل الكلمة من معني وعندها فقط سنشهد عهداً اعتقد انه سيكون الافضل من ال25عاماً الماضية.
شاركه على جوجل بلس

عن حمدى صلاح الدين

    تعليقات بلوجر
    تعليقات فيسبوك

0 التعليقات:

إرسال تعليق