مذكرات مراهقة والاقتصاد السوداني

                  مذكرات مراهقة والاقتصاد السوداني  

                   مذكرات مراهقة والاقتصاد السوداني  

               قبل فترة ليست بالقصيرة كتبت مقالاً في مدونتي – بدون الوان - بعنوان (الرقابة المصرية، ضواقة رينجو وكشف المستور). هذا المقال اشعل ايميلي بمئات الرسائل بعضها يشيد وبعضها يهاجم وبعضها ينتقد لعدة اسباب قد اعود اليها يوماً ما. وقد استشهدت في ذاك المقال بفيلم (مذكرات مراهقة) للمخرجة المصرية المثيرة للجدل ايناس الدغيدي . اعود اليوم لاستشهد بذات الفيلم ولكن هذه المرة من زاوية القصة (قصة المراهقة جميلة - ابنة أحد رجال الأعمال - التي تتخيل صورة مثالية لفتى أحلامها على انه انطونيو الذي احب ملكة مصر كليوباترا متخيلة ايضا انها هي تلك الملكة).                                                                                والشاهد هنا تصريحات مسئولي الاقتصاد السوداني قبل انفصال الجنوب باشهر قليلات (وارشيف الصحف موجود) فقد اجمعوا على ان الاقتصاد السوداني سيتحسن كثيراً بعد انفصال الجنوب . تصريحاتهم كانت رومانسية حالمة لا تلامس الواقع وتفتقر للعلمية والمنهجية والتخصصية والادراك العلمي لكنه الازمة. تصريحاتهم كانت كاحاديث (هند صبري) الهامسة في (مذكرات مراهقة) التي دغدغت مشاعر الكبار قبل المراهقين  حتى اختلط علي الامر وكدت اصدق احاديث (الساسة) واكذب (نظريات الاقتصاد) التي اعرف.                                                                        لقد رفع اهل السياسة والاقتصاد في بلادي سقف طموحاتهم واحلامهم  – آنذاك -  فنزلت احلامهم وطموحاتهم الى (ارض الاحلام) ولم تطأ (ارض الواقع) حتى اللحظة. لقد صوروا (الجنيه السوداني) كأنه فارس قادم من الجنوب على ظهر جواد ابيض ليصرع الدولار واليورو على حد سواء ثم يتوسط سوح الخرطوم مباهياً بصنيعه يتقبل التهاني من الحسناوات – تماماً كأنطونيو في مذكرات مراهقة – او هكذا تبدي لي.                                                                                  كل دول العالم الثالث تخاف من المشرط لذلك تموت بعللها. نظرة للاقتصاد السوداني بالمشرط. ثلاثة محاور تدور حولها العلل:
1-   عدم وجود كفاءات داخل المؤسسة الاقتصادية السودانية تخطط ثم تنفذ ثم تقوم بعملية القياس والتقييم.
2-   السياسة الخارجية التي ينتهجها السودان.
3-   انفصال الجنوب.
المحور الاول: عدم وجود كفاءات داخل المؤسسة الاقتصادية السودانية:
        في كل دول العالم يكون دور الوزير (تنفيذ سياسة حزبه التي اقرها البرلمان بالمسطرة والقلم) الا في السودان فكل وزير (ينجر حسب هواه) لذلك تجد التخبط في السياسات وفي القرارات . فجاءت السياسات الاقتصادية العرجاء بدءا من تحرير السوق انتهاء برفع الدعم عن المحروقات وكانت كل القرارات تمرر بديناميكية تكتلية داخل البرلمان فغابت الرقابة التشريعية واصبح كل قرار يمرر بدعوى (الاجازة). فاصبح البرلمان يشكل غطاء لقرارات معيبة قادت البلاد الى هذا المنعطف الاقتصادي الخطير.                                                                                             بعد التوقيع على اتفاقية نيفاشا كان يتوجب على المؤتمر الوطني – بوصفه الحزب الحاكم – التحسب لاحتمال اختيار اهل الجنوب للانفصال. وكان امامه – أي المؤتمر الوطني – فرصة ست سنوات كان بامكانه من خلالها تجهيز صادر بديل حال انفصال الجنوب عبر استغلال موارد البترول في تفعيل الشقين الصناعي والزراعي. للاسف هذا لم يحدث فكانت النتيجة (صفر في خانة الصادر بعد انفصال الجنوب) والنتيجة الحتمية لذلك انهيار اقتصادي كان بالامكان تجاوزه بأن يقوم بنك النقد الدولي بتقديم قروض معفاة وطويلة المدى - مثل ما حدث مع اليونان وقبرص واسبانيا ابان الازمة الاقتصادية الاخيرة -  وهذا ما لم و لن يحدث نظرا للعقوبات الاقتصادية المفروضة على السودان وهذا امر لم يتحسب له المؤتمر الوطني.

المحور الثاني: السياسة الخارجية السودانية:                                                                ظللنا نردد حتى (بح صوتنا) بأن الطريقة التي تدار بها السياسة الخارجية السودانية تسير بنا نحو هاوية غير معروفة القرار . وقد ظلت وزارة الخارجية السودانية تدخل السودان من (عزلة) الى (عزلة) بعدم مواكبتها للنظام العالمي وكيف يسير العالم و ضرورات المرحلة التي غاب فيها التوازن بعد تحول العالم من (قطبين) الى (قطب واحد) يتحكم في اقتصاد وامن وسياسة العالم اجمع .
 
كل دول العالم الثالث تمد جسور التعاون مع القوى العظمى ومنظومات المجتمع الدولي حتى تنعم شعوبها بالدعم الدولي (قروض ودعم سياسي وثقافي وبحثي وتجاري وعسكري) لانها تعلم تماماً ضعف مقدراتها، فالوقوف على الرجلين ومناطحة العالم ليست (شعارات) وانما (قدرات) يجب على وزارة خارجيتنا ان تعي ذلك جيداً .
 
وللحديث عن ثوابت الامة التي (تتمشدق) بها وزارة الخارجية السودانية اقول ان تطبيق (الشريعة الاسلامية) لم يكن يوماً ما عائقاً يقف امام احداث علاقات مع دول النفوذ ومنظمات المجتمع الدولي .                                                                                                  ولنأخذ مثال المملكة العربية السعودية التي تطبق الشريعة الاسلامية وتتمتع بعلاقات اكثر من ممتازة مع امريكا وكل منظمات المجتمع الدولي ويوماً ما لم تهمس (امريكا) في اذن (السعودية) بالغاء الشريعة الاسلامية.  
   
و الشريعة الاسلامية التي تطبقها السعودية، السودان لا يطبق ولا (10%) منها فالسعودية (تمنع الاختلاط - تقص الرقبة و تطبق حدود الله المنزلة دون تردد) فاين السودان من تطبيق الشريعة الاسلامية ؟؟ اذن معركة (وزارة الخارجية) مع (امريكا) حول (تطبيق الشريعة الاسلامية) هي (معركة من غير معترك  (
   
في اعتقادي ان المشكلة ليست مشكلة (دين او شريعة) كما ظلت (تتوهم) وزارة خارجيتنا وتحاول ان (توهمنا) بذلك. المشكلة هي علاقة السودان مع ايران وما تحتها من خطوط وهذا الاستنتاج (ان صح) يحول السودان الى دولة (مستهدفة من امريكا ومنظمات المجتمع الدولي) بدلا عن دولة (تطبق الشريعة الاسلامية) والوضعان مختلفان بالتأكيد .
     
اذن يبقى السؤال : اذا طبق السودان الشريعة الاسلامية واستطاعت خارجيتنا قطع علاقتها مع ايران هل سننعم بعلاقات ممتازة مع المجتمع الدولي وامريكا ؟؟ الاجابة: بالتاكيد نعم .
   
الحصار الاقتصادي المفروض على السودان - بسبب سياستنا الخارجية - حرم السودان من حقوق كثيرة جدا ظلت تنعم بها دول العالم الثالث بدءا من المنح الدراسية مرورا بالقروض المعفاة والدعم العسكري والتبادل التجاري والثقافي فاصبحنا غير قادرين على صيانة (طائرة) بسبب الحظر الاقتصادي – بحسب تصريحات هيئة الطيران المدني قبل عام - وانعكس الحصار الاقتصادي مردوداً سالباً على محاولات انعاش الاقتصاد السوداني بتحريك الشقين الصناعي والزراعي فكانت كل المحاولات تصطدم بحائط الحظر الاقتصادي.
     
السودان يحتاج الى علاقات مع امريكا ودول النفوذ - شاءت وزارة خارجيتنا ام ابت - هكذا يسير العالم . كدولة نامية نحتاج الى علاقات مع منظومات المجتمع الدولي ودول الفيتو ومجموعة الثماني لننعم بسند في المحافل الدولية ، سند لن تقدمه لنا ايران ولا ماليزيا ولا النمسا  بعد تمنع الصين في استخدام الفيتو في عدة مواقف شهدها العالم اجمع فالصين لن تضحي بمصالحها التجارية مع امريكا لتقف مع السودان.
     
اذن تبقى المعادلة - ليست بالصعبة - في ضبط ايقاع الخارجية السودانية بان تعي خارجيتنا جيداً انها تحتاج للعالم وعليها التعاطي مع دول العالم بمبدأ (مصلحة السودان) لا بمبدأ(التناطح).

المحور الثالث: انفصال الجنوب
ذهب انفصال الجنوب ب75% من البترول السوداني حقاً اصيلاً لدولة جنوب السودان لوقوع اهم حقول البترول  ضمن رقعتهم الجغرافية. ليتبقى حوالي 25% لا تمثل الا حوالي 120الف برميل تكفي – بالكاد – حاجة البلاد الداخلية من المحروقات بعد خصم حصة الصين.                                                                           ومع انعدام صادر الصناعة والزراعة يصبح صادر السودان اقل من 15% والوارد يفوق  ال80% من اجمالي احتياجات البلاد – بحسب تصريحات برلمانيين للصحافة السودانية - وبالتالي يصبح لا مجال لهبوط الدولار وارتفاع قيمة الجنيه الا بتعديل هذه المعادلة المقلوبة ليصدر السودان 90% ويستورد اقل من 10% من مجمل احتياجات البلاد. 
حذرنا عشرات المرات – بعد توقيع اوراق نيفاشا – من خطورة انفصال الجنوب وما يشكله من مهدد للسودان وضربنا مثلاً بايام حرب الجنوب ان اخر نقطة ارتكاز للقوات السودانية كانت مدينة جوبا التي تبعد عن الخرطوم ساعتين كاملتين بالطائرة. بعد انفصال الجنوب تصبح حدود الدولتين هي المناطق المتنازع عليها فيما يعرف ببروتوكل (ترسيم الحدود) احد بروتوكولات نيفاشا التي تقض المضاجع والمناطق هي (كاكا التجارية – حفرة النحاس – دبة الفخار والمقينص) وهي مناطق متاخمة لولايات النيل الازرق والنيل الابيض وجنوب كردفان وسنار. اذن تصبح اخر نقاط ارتكاز القوات السودانية واول خطوط دفاعها متاخمة لتلكم المناطق وهذا الوضع يهدد السلم في تلكم المناطق بعد سلسلة التوترات منذ انفصال الجنوب وحتى الان وبالتالي يصبح الوضع الاقتصادي برمته في مهب الريح ويصبح دوران عجلة الزراعة و الصناعة والاستثمار والتجارة في تلكم المناطق من الصعوبة بمكان التعاطي معه مالم يتم  حسم الملفات العالقة من (ترسيم  حدود) الى (البروتوكول الامني) الى (المشورة الشعبية) ومن ثم (بروتوكول ابيي).
نختم بالسؤال التالي: هل من حلول؟؟؟
الاجابة بالتأكيد نعم.
غدا نواصل باذن الله وفضله وتوفيقه
     
  

شاركه على جوجل بلس

عن حمدى صلاح الدين

    تعليقات بلوجر
    تعليقات فيسبوك

0 التعليقات:

إرسال تعليق