قراءات في دفتر التشكيل الوزاري الاخير
وعلى طريقة اغنية الطمبور (في المر ما عليكا ملامه *** أشرب ما تفضل جرعة) جاء التشكيل الوزاري الاخير. المتتبع للشأن السياسي السوداني يرى في التشكيل الوزاري الاخير اما (انقلاباً ناعماً دونما مخاشنة) او) مفاصلة جديدة) تشبه الى حد ما مفاصلة الترابي في 1999م.
وقد اشارت صحيفة الشرق الاوسط اللندنية في مقال لها – رمضان الماضي – الى هذه الاجراءات عبر تقرير تحت عنوان (هل يطيح البشير باخوان السودان؟). لم يكن متوقعاً ان يخرج البشير بتشكيلة حكومية يغير فيها الطاقم الرئاسي كاملاً (علي – نافع – الحاج ادم) وكل الطاقم الوزاري ليبقي علي (عبدرالرحيم،سعاد عبدالرازق وكرتي) وزراء ل(الدفاع، التربية والتعليم والخارجية) على التوالي.
المشهد السياسي للحركة الاسلامية الان يسوده العسكر بل بدأ يسوده العسكر منذ احتلال بكري حسن صالح موقع (نائب الامين العام للحركة الاسلامية) ودخوله – بحكم المنصب الجديد – المكتب القيادي للمؤتمر الوطني فكانت تلك (زفة) لدخوله القصر (نائباً اول) خطط لها بليل وهدوء. اذن السؤال لماذا كل (هذه التغييرات) ؟؟ دعونا ننتقل للحديث عن الطاقم الرئاسي والوزراء الذين احتفظ بهما البشير من الحرس القديم (عبدالرحيم وكرتي .(
رجل المخابرات القوي، رجل المهام الصعبة، صمام امان الانقاذ كلها القاب كانت تسبق اسم (بكري حسن صالح) ولكن اذا قارنا الملفات التي كان يئن بها ظهر على عثمان هل يستطيع بكري انجازها بذات الكفاءة؟ ان الرجلين متميزين ولكن كل في مجاله فعلي عثمان محمد طه رجل سياسي من الدرجة الاولى عركته التجارب السياسية وخاض اوحالها رجل دولة يعد الثاني بعد الترابي (في الحركة الاسلامية). اما بكري فعسكري من الطراز الاول في مقام ومصاف الكوادر العسكرية المتميزة ولكن اداؤه السياسي قد يكون دون الوسط وقد يفشل اذا حمل ذات الملفات التي كان يحملها على عثمان واهمها ملفي (اداء الجهاز التنفيذي للدولة) و (حماية صف الحركة الاسلامية). الا ان تعي الرئاسة الخطوط المتوازية للرجلين وتقاطع المهام مع طبيعة كل منهما فتسند للنائب الجديد ملفات عسكرية وتسحب منه ملفات النائب القديم.
حسبو محمد عبدالرحمن:
عند ذكر اسم الدكتور حسبو محمد عبدالرحمن على مواقع التواصل الاجتماعي – قبل اعلان التشكيل الوزاري بساعات – خلط البعض بينه وبين (حسب الرسول دفع الله) البرلماني المثير للجدل والملتف حول (قضايا المرأة). ولكن الدكتور حسبو محمد عبدالرحمن هو مفوض العون الانساني السابق وهو من ابناء دارفور. اتفاقية الدوحة تنص على ان يتولى منصب نائب رئيس الجمهورية احد ابناء دارفور فوجد البشير في الدكتور حسبو ثلاثة محاور قد تخدم قضية دارفور . المحور الاول : الحفاظ على الاتفاقية بتعيين حسبو نائباً لرئيس الجمهورية. المحور الثاني: استغلال علاقات حسبو مع المنظمات الدولية التي كان محتكاً بها ابان فترة عمله في مفوضية العون الانساني لدعم السلام في منطقة دارفور. المحور الثالث: الاستفادة من وزن الرجل في دارفور فيبدو ان لحسبو نفوذ كبير حيث اصطحبه نافع مرتين للصلح بين المعاليا والرزيقات. اذن يبدو ان حسبو هو الانسب من بين الثلاثة الذين اختيروا في الطاقم الرئاسي الجديد اذ انه لن يكلف الرئاسة أي تعديل عكس بكري وغندور الذين يحتاجان الى تغيير في الاطار العام لمهام كل منهما.
علي كرتي:
اصرار البشير المحافظة على (علي كرتي وزيراً للخارجية) يؤكد اصرار البشير المضي قدماً في ذات السياسة الخارجية والعلاقات مع ايران واغلاق ملفات الغرب وامريكا (بالضبة والمفتاح) وهو امرمستغرب جدا اذ بابعاد (صقور المؤتمر الوطني المتشددة) كان المراقبون يتوقعون انفتاحا ولو تدريجياً وتغييراً في السياسة الخارجية وهو ما تظهره التشكيلة القادمة. ولكن الابقاء على ذات السياسة الخارجية قد يعطي مؤشرين اما ان الدولة لم تع حتى اللحظة ان كل المآزق الاقتصادية هي نتاج للسياسة الخارجية. والمؤشر الاخر هو ان كل ما تم من تعديلات ما هو الا مظهر لجوهر قادم لان تغيير (الاشخاص) مع الابقاء على (السياسات) يعني البقاء في مربع رقم 1 لحين اشعار آخر.
المكتب القيادي للمؤتمر الوطني يشكل (حجر الزاوية) في المشهد السياسي السوداني طيلة السنوات العشرين الماضية فهو الجسم المخول له التصويت في اصعب القرارات واكثرها تعقيداً دون الرجوع الى هيئات وتنظيمات الحزب الاخرى الا في بندين او ثلاثة وهو الجسم المفوض برسم الكثير من السياسات التي تسير عليها وبها الدولة السودانية. وقرارات المكتب القيادي للمؤتمر الوطني ملزمة لرئيس الجمهورية الذي يمثل (الحزب) في (الدولة) وقرارات المكتب القيادي تشكل (قرارات الحزب) الملزمة ل (ممثل الحزب في الدولة) او هكذا تبدا لي.
ابعاد علي عثمان و الحاج ادم ونافع من (المشهد السياسي للدولة) هل يتبعه ابعادهم من (المكتب القيادي للمؤتمر الوطني؟) هنا يكمن السؤال. فالمكتب القيادي هو (مطبخ القرار السياسي) في الحياة السياسية السودانية. وامر ابعاد الثالوث من بقائه يحتمل احد احتمالين لا ثالث لهما:
الاول: اذا كان وجود (علي عثمان والحاج ادم ونافع) في المكتب القيادي ب(الانتخاب) فبالتاكيد لن تتمكن قوة في الارض من ابعادهم من مطبخ القرار السياسي السوداني.
الثاني: اذا كان وجود (علي عثمان والحاج ادم ونافع) في المكتب القيادي (بحكم المنصب في الدولة) هنا لابد من تنحيهم ليحل محلهم الطاقم الرئاسي الجديد (بكري وحسبو وغندور) على التوالي.
مسرح الاحداث السياسية المتلاحقة يرجح الفرضية الاولى والسبب في ذلك حضور (علي عثمان ونافع) الاجتماع الذي اجاز (التشكيل الوزاري الجديد) مساء بعد تقديم استقالاتهم من الجهاز التنفيذي للدولة صباحا. والدليل الثاني الحديث الذي ادلى به نافع للصحافيين – صبيحة التشكيل الوزاري وقبيل المؤتمر الصحفي الرسمي – فنافع تحدث ك(قيادي بالمكتب القيادي للمؤتمر الوطني) وليس بوصفه (مساعد رئيس الجمهورية) بحسبان انه استقال او اقيل صباح نفس اليوم.
لماذا هذا السؤال تحديداً؟ وضوح الرؤية تجاه من سيرسم خطوط المشهد السياسي تنير طريق التحليلات الصحيحة فالمؤتمر الوطني حزب يتمسك بقواعد اللعبة السياسية ويلزم رئيسه بتنفيذ قرارات المكتب القيادي. اذن من سيكون في المكتب القيادي في مقبل الايام؟؟؟ هذا السؤال اجابته سترسم خارطة السياسية السودانية برمتها في مقبل الايام والشهور.
كثيراً ما لاحظنا احاديث وقرارت للبشير (في لقاءات جماهيرية) تتكسر امام جدار المكتب القيادي للمؤتمر الوطني واذكر منها قصة نشرتها صحافة الخرطوم قبل خمس سنوات تقريباً عندما اعلن البشير – في تجمع شبابي - ان التشكيل الحكومي الجديد سيبعد كل من قضى دورتين او عشر سنوات في الجهاز التنفيذي او التشريعي ليقوم المكتب القيادي برفض الفكرة ورفض اقالة الجاز والمتعافي والطاهر وعلي عثمان وعبدالرحيم وبكري بحسبان ان الجهاز التنفيذي سينهار وسمح المكتب القيادي بتدعيم الجهاز التنفيذي للدولة بستة من شباب المؤتمر الوطني منهم حاج ماجد سوار وسناء حمد العوض وعبداللطيف فضيلي الذين زينت اسماؤهم كشوفات الحكومة العريضة آنذاك.
اذن نعود الى نظرية الاحتمالات مرة اخرى بسؤالين : هل قرر البشير تغيير الطاقم الرئاسي والطاقم الوزاري وخلق ارضية داخل اروقة المكتب القيادي للمؤتمر الوطني لتغيير (السياسات والافكار) قبل تغيير (الافراد)؟ ام ان البشير قام بتغيير (الافراد) وأبقى بالريموت كنترول في ايدي (صقور المؤتمر الوطني) عبر نفق (المكتب القيادي) للتحكم في السياسات والافكار ؟؟.
الفريق عبدالرحيم محمد حسين:
الحقيقة التي يعرفها موالو المؤتمر الوطني قبل معارضيه ان عبدالرحيم محمد حسين ليس افضل وزراء الحركة الاسلامية اداء طيلة عقدين من الزمان او على الاقل ليس افضل من كمال عبداللطيف الذي لم ينم سوى ساعة من بين كل 24ساعة طيلة العامين الماضيين – على حد تعبيره – في (بكائية وزارة المعادن) التي انتشرت على اليوتيوب صبيحة اليوم التالي للتشكيل الوزاري الماضي.
اذن لنبحث عن ميزة اخرى تجعل عبدالرحيم (ثابت) والكل (متغير). يمكن ان نصل لجملة استنتاجات من ضمنها البعد النفسي للبشير. فاي قائد يحتاج الى معاونين بمهام خاصة ويحتاج الى صمام امام نفسي.
من عدة قراءات يمكننا ان نفترض ان عبدالرحيم محمد حسين يتميز بميزتين جعلتا البشير يتمسك به ايما تمسك. الاولى : انه رجل غير طموح أي انه مقتنع بالمقعد الثاني او الثالث او حتى الرابع ولن يأتي اليوم الذي يفكر فيه في قلب الطاولة فوق البشير. والثاني: يبدو ان البشير تثبت تماماً من ان كل تقارير عبدالرحيم صحيحة بنسبة مائة في المائة بعكس تقارير الاخرين التي قد تكون مفبركة اومزيفة اومنمقة بمعنى ان عبدالرحيم صادق في كل تفاصيل يذكرها اضافة الى ولائه الكبير للبشير. لذا نجد ان البشير قد قفز فوق حاجز (الكفاءة) ليهبط في (ارض الولاء) الذي يقدمه له عبدالرحيم وتثبته الايام للبشير يوماً بعد يوم.
والبشير لا يريد ان يكون كبطل رائعة شكسبير (يوليوس قيصر) ليقول ذات صباح بعين نصف مفتوحة (حتى انت يا بروتس) لذا نجده إستدرك متلازمتي (الغداء و العشاء) فبدأ بإعمال سيف التغيير بدءً من (علي عثمان) مروراً ب(كمال عبداللطيف) وانتهاءً ب(المتعافي) واحتفظ ب(عبد الرحيم).
اما نوع المهام التي يؤديها عبدالرحيم فقد تكون ذات بعد مهم لدى البشير وتبدأ من الزود عن حياض الوطن انتهاءً بتفادي المطبات حتى (عصر) ذات مساء على الركشة التي كان يستقلها اخي وصديقي وزميلي مهند منير فخرجت الركشة من طريق بري المسفلت الى الطريق الترابي او هكذا كتب مهند منير في صفحته على الفيس بووك ذات مساء خريفي العام الماضي.
اذن مهام عبدالرحيم تتقاطع طردياً مع موقعه في قلب البشير كصمام امان نفسي وتتقاطع عكسياً مع رؤية الشعب السوداني الذي ينظر لعبدالرحيم من زاوية غير التي يراه بها البشير وهنا تكمن المعضلة.
السؤال الذي يفرض نفسه هنا هو كيف استطاع (البشير) اقناع (المكتب القيادي للمؤتمر الوطني) بإقالة الطاقم الرئاسي كاملاً واكثر من ثلاثين وزيرا يمثلون عضم الحركة الاسلامية (دفعة واحدة). وهذه الاقالة الجماعية ظل يرفضها المكتب القيادي لمرات عديدات – بحسب صحافة الخرطوم الصادرة قبل خمس سنوات- وفي اعتقادي ان هذه (مفاصلة) اخرى بين البشير والمكتب القيادي للمؤتمر الوطني.
0 التعليقات:
إرسال تعليق