قراءات في دفتر التشكيل الوزاري الجديد 2-3
المكتب القيادي
للمؤتمر الوطني يشكل (حجر الزاوية) في المشهد السياسي السوداني طيلة السنوات
العشرين الماضية فهو الجسم المخول له التصويت في اصعب القرارات واكثرها تعقيداً
دون الرجوع الى هيئات وتنظيمات الحزب الاخرى الا في بندين او ثلاثة وهو الجسم
المفوض برسم الكثير من السياسات التي تسير عليها وبها الدولة السودانية. وقرارات
المكتب القيادي للمؤتمر الوطني ملزمة لرئيس الجمهورية الذي يمثل (الحزب) في (الدولة)
وقرارات المكتب القيادي تشكل (قرارات الحزب) الملزمة ل (ممثل الحزب في الدولة) او
هكذا تبدا لي.
ابعاد علي عثمان
و الحاج ادم ونافع من (المشهد السياسي للدولة) هل يتبعه ابعادهم من (المكتب
القيادي للمؤتمر الوطني؟) هنا يكمن السؤال. فالمكتب القيادي هو (مطبخ القرار
السياسي) في الحياة السياسية السودانية. وامر ابعاد الثالوث من بقائه يحتمل احد
احتمالين لا ثالث لهما:
الاول: اذا كان
وجود (علي عثمان والحاج ادم ونافع) في المكتب القيادي ب(الانتخاب) فبالتاكيد لن
تتمكن قوة في الارض من ابعادهم من مطبخ القرار السياسي السوداني.
الثاني: اذا كان
وجود (علي عثمان والحاج ادم ونافع) في المكتب القيادي (بحكم المنصب في الدولة) هنا
لابد من تنحيهم ليحل محلهم الطاقم الرئاسي الجديد (بكري وحسبو وغندور) على
التوالي.
مسرح الاحداث
السياسية المتلاحقة يرجح الفرضية الاولى والسبب في ذلك حضور (علي عثمان ونافع) الاجتماع
الذي اجاز (التشكيل الوزاري الجديد) مساء بعد تقديم استقالاتهم من الجهاز التنفيذي
للدولة صباحا. والدليل الثاني الحديث الذي ادلى به نافع للصحافيين - صبيحة التشكيل
الوزاري وقبيل المؤتمر الصحفي الرسمي - فنافع تحدث ك(قيادي بالمكتب القيادي
للمؤتمر الوطني) وليس بوصفه (مساعد رئيس الجمهورية) بحسبان انه استقال او اقيل
صباح نفس اليوم.
لماذا هذا
السؤال تحديداً؟ وضوح الرؤية تجاه من سيرسم خطوط المشهد السياسي تنير طريق
التحليلات الصحيحة فالمؤتمر الوطني حزب يتمسك بقواعد اللعبة السياسية ويلزم رئيسه
بتنفيذ قرارات المكتب القيادي. اذن من سيكون في المكتب القيادي في مقبل الايام؟؟؟
هذا السؤال اجابته سترسم خارطة السياسية السودانية
برمتها في مقبل الايام والشهور.
كثيراً ما لاحظنا احاديث وقرارت للبشير (في
لقاءات جماهيرية) تتكسر امام جدار المكتب القيادي للمؤتمر الوطني واذكر منها قصة
نشرتها صحافة الخرطوم قبل خمس سنوات تقريباً عندما اعلن البشير - في تجمع شبابي
- ان التشكيل الحكومي الجديد سيبعد كل من
قضى دورتين او عشر سنوات في الجهاز التنفيذي او التشريعي ليقوم المكتب القيادي برفض الفكرة ورفض اقالة
الجاز والمتعافي والطاهر وعلي عثمان وعبدالرحيم وبكري بحسبان ان الجهاز التنفيذي
سينهار وسمح المكتب القيادي بتدعيم الجهاز التنفيذي للدولة بستة من شباب المؤتمر الوطني منهم حاج
ماجد سوار وسناء حمد العوض وعبداللطيف فضيلي الذين زينت اسماؤهم كشوفات الحكومة
العريضة آنذاك.
اذن نعود الى
نظرية الاحتمالات مرة اخرى بسؤالين : هل قرر البشير تغيير الطاقم الرئاسي والطاقم
الوزاري وخلق ارضية داخل اروقة المكتب القيادي للمؤتمر الوطني لتغيير (السياسات والافكار)
قبل تغيير (الافراد)؟ ام ان البشير قام بتغيير (الافراد) وأبقى بالريموت كنترول
في ايدي (صقور المؤتمر الوطني) عبر نفق (المكتب
القيادي) للتحكم في السياسات والافكار ؟؟.
الفريق
عبدالرحيم محمد حسين:
تناولت في الجزء
الاول من هذه السلسة (علي كرتي) كاحد الكروت التي احتفظ بها البشير مع عبدالرحيم
محمد حسين وسعاد عبدالرازق. اليوم نتحدث عن عبدالرحيم محمد حسين ولماذا لم تشمله
رياح التغيير.
الحقيقة التي
يعرفها موالو المؤتمر الوطني قبل معارضيه ان عبدالرحيم محمد حسين ليس افضل وزراء
الحركة الاسلامية اداء طيلة عقدين من الزمان او على الاقل ليس افضل من كمال
عبداللطيف الذي لم ينم سوى ساعة من بين كل 24ساعة طيلة العامين الماضيين - على حد
تعبيره - في (بكائية وزارة المعادن) التي
انتشرت على اليوتيوب صبيحة اليوم التالي للتشكيل الوزاري الجديد.
اذن لنبحث عن
ميزة اخرى تجعل عبدالرحيم (ثابت) والكل (متغير). يمكن ان نصل لجملة استنتاجات من
ضمنها البعد النفسي للبشير. فاي قائد يحتاج الى معاونين بمهام خاصة ويحتاج الى
صمام امام نفسي.
من عدة قراءات
يمكننا ان نفترض ان عبدالرحيم محمد حسين يتميز بميزتين جعلتا البشير يتمسك به ايما
تمسك. الاولى : انه رجل غير طموح أي انه مقتنع بالمقعد الثاني او الثالث او حتى
الرابع ولن يأتي اليوم الذي يفكر فيه في قلب الطاولة فوق البشير. والثاني: يبدو ان
البشير تثبت تماماً من ان كل تقارير عبدالرحيم صحيحة بنسبة مائة في المائة بعكس
تقارير الاخرين التي قد تكون مفبركة اومزيفة اومنمقة بمعنى ان عبدالرحيم صادق في
كل تفاصيل يذكرها اضافة الى ولائه الكبير للبشير. لذا نجد ان البشير قد قفز فوق
حاجز (الكفاءة) ليهبط في (ارض الولاء) الذي يقدمه له عبدالرحيم وتثبته الايام
للبشير يوماً بعد يوم.
والبشير لا يريد
ان يكون كبطل رائعة شكسبير (يوليوس قيصر) ليقول ذات صباح بعين نصف مفتوحة (حتى انت
يابروتس) لذا نجده إستدرك متلازمتي (الغداء و العشاء) فبدأ بإعمال سيف التغيير
بدءً من (علي عثمان) مروراً ب(كمال عبداللطيف) وانتهاءً ب(المتعافي) واحتفظ ب(عبد
الرحيم).
اما نوع المهام
التي يؤديها عبدالرحيم فقد تكون ذات بعد مهم لدى البشير وتبدأ من الزود عن حياض
الوطن انتهاءً بتفادي المطبات حتى (عصر) ذات مساء على الركشة التي يستقلها اخي
وصديقي وزميلي مهند منير فخرجت الركشة من طريق بري المسفلت الى الطريق الترابي او
هكذا كتب مهند منير في صفحته على الفيس بووك ذات مساء خريفي العام الماضي.
اذن مهام
عبدالرحيم تتقاطع طردياً مع موقعه في قلب البشير كصمام امان نفسي وتتقاطع عكسياً
مع رؤية الشعب السوداني الذي ينظر لعبدالرحيم من زاوية غير التي يراه بها البشير
وهنا تكمن المعضلة. بهذا يصبح الاجدى ان يحتل الفريق عبدالرحيم منصب (مساعد رئيس
الجمهورية) او منصب (وزير رئاسة الجمهورية) ولكن يبدو ان البشير لا يريد لشخصية
عبدالرحيم ان تهتز باعفائه مع المغادرين ففضل الابقاء عليه مؤقتاً ليقوم بنقله الى
موقع اخر بعد عام او اقل.
غداً نواصل باذن
الله وفضله وتوفيقه ونعمته
0 التعليقات:
إرسال تعليق